التجريبية في عروض عوني كرومي المسرحية
د.
عامر صباح المرزوك
تنقل
(عوني كرومي 1945ـ2006م) في أساليب إخراجية وفنية مختلفة ، فكانت عروضه تتوزع بين
الاجتماعية والتجريبية ، وقدم سلسلة من التجارب المختلفة في النص والمكان والأسلوب
، وعن تجربته يقول : "في العرض المسرحي أوضح المنهج ، فأنا بلا منهج لا
استطيع أن أكّون عرضاً ، ومنهجي الواقعي ـــ التجريبي قائم على أمكانية خلق مدركات
جمالية من خلال التعبير الفني للغة الجسد والمعنى".
يؤكد (كرومي) في أغلب عروضه المسرحية على
قدرات الممثل الأدائية ، فهي الوسيلة التي يعتمدها لتقديم مهارات أدائية تجعل من
فن الاتصال مع المتلقين مقنعاً وفعالاً ، لذا فهو يؤكد على ساعات التدريب الطويلة
باحثاً في الطاقات الكامنة لدى الممثل موصلاً إياه إلى حالة الإتقان التي تجعل
الممثل عفوياً مسترخياً ليعطي كل ما عنده من طاقة .
قدم (كرومي) مسرحية (فوق رصيف الرفض) في
قاعة صغيرة بلا خشبة عرض وأجلس الجمهور على الأرض ، وجعل التمثيل يدور حوله
مستخدماً ديكوراً بسيطاً يمثل شواهد قبور وغطاء أسود السقف وبعض الحبال ليوحي
بالخيمة ، وفي مسرحية (ترنيمة الكرسي الهزاز) حقق المكان حضوراً في
العرض ، عندما أعطى للحدث عمقاً ، كانت الأسرار داخل الشخصيتين أسرار مكانية.
وفي مسرحية (قصائد ممسرحة) جعل الخشبة على
شكل صليب داخل القاعة ، وأشرك الجمهور مع الممثلين في ردود أفعالهم أو إجاباتهم
الآنية ، فكانت التحولات في التكوينات التصويرية سواء للممثلين في علاقاتهم
بالمكان أو في تشكيلاتهم مع الجمهور ، وفي مسرحية (تداخلات الحزن والفرح) إعتمد
على تقنية الانشطار العلاماتي عندما إستخدم العباءة السوداء (دال) لتعطي عدة
دلالات ، فهي تارة سجن ، وأخرى قيد ، ثم تتحول إلى خيمة أو كفن ، وهنا صور شخصية
المرأة الشرقية في أدق مشاعرها ، نفسياً واجتماعياً وروحياً .
تعد مسرحية (فوق رصيف الرفض) من بين تجارب
(كرومي) التي كسر فيها قيود مسرح العلبة ، حيث اجلس الجمهور فيها ، على أرض مفروشة
بالبسط مع بعض الوسائط ، وجعل التمثيل يدور حوله مستخدماً فضاءً بسيطاً يمثل شواهد
قبور ، وأنصاباً في مقبرة ، وغطاءً معلقاً في السقف ، في حين ازدحم
فضاء العرض في مسرحية (صراخ الصمت الأخرس) بقطع المنظر والملحقات التي اتخذت من
الأسلاك وأجهزة الراديو والتلفزيون والكمبيوتر مادة لها ، بحيث شعر الجمهور بجو
خانق يضغط عليه من كل جانب ، كما أن هذا الفضاء المزدحم ـ الخشبة والصالة ـ جعل
شخوص المسرحية يبدون وكأنهم أقزام وسط هذه الموجودات ، ففي أغلب عروضه
يؤكد على قدرات الممثل الأدائية .
إستخدم (كرومي) في مسرحية (الإنسان الطيب)
اللهجة العراقية الدارجة بمفرداتها البغدادية ، مستعيناً بديكور متحرك ، وجعل الزي
معاصراً لا يحيلنا إلى مكان محدد بل إلى أمكنة متغيرة ، كما اشتركت سينوغرافيا
العرض المتحركة لتخلق انسجاماً قد ينتمي إلى ما أراده برخت ، لكننا ندرك بأن (كرومي)
قدم قراءة جديدة لبنية العرض تتسم بعراقيتها وإنسانيتها .
لم يكن (كرومي) ممن ينظروا للفن من جانب
مادي ، بكل كان أستاذاً أكاديمياً ومخرجاً مبدعاً ورمزاً من رموز الثقافة المسرحية
العربية ، حتى لقب بـ(وسيط الثقافات) لما كان يحمله من إصرار وجد ، وهو يبحث عن الإبداع
أينما يحط رحيله ، رحمك الله يا من كنت عوناً لمسرحنا العراقي وهو بأمس الحاجة
أليك .